سورة الفجر - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)}
{والفجر} أقسم الله تعالى بالفجر وهو الطالع كل يوم كما أقسم بالصبح، وقيل: أراد صلاة الفجر: وقيل: أراد النهار كله، وقيل: فجر يوم الجمعة ولا دليل على هذه التخصيصات وقيل: أراد انفجار العيون من الحجارة وهذا بعيد والاول أظهر وأشهر {وَلَيالٍ عَشْرٍ} هي عشر ذي الحجة عند الجمهور، وقيل: العشر الأول من المحرم وفيها عاشوراء وقيل: العشر الأواخر من رمضان، وقيل: العشر الأول منه {والشفع والوتر} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنها الصلوات منها شفع ووتر وقيل: الشفع التنفل بالصلاة مثنى مثنى والوتر الركعة الواحدة المعروفة، وقيل: الشفع العالم والوتر الله لأنه واحد، وقيل: الشفع آدم وحواء والوتر الله تعالى، وقيل: الشفع الصفا والمروة والوتر البيت الحرام، وقيل: الشفع أبواب الجنة لأنها ثمانية والوتر أبواب النار لأنها سبعة، وقيل: الشفع قران الحج والوتر إفراده، وقيل: المراد الأعداد منها شفع ووتر. فهذه عشرة أقوال، وقرئ الوتر بفتح الواو وكسرها وهما لغتان {واليل إِذَا يَسْرِ} أي إذا يذهب فهو كقوله: {والليل إِذْ أَدْبَرَ} [المدثر: 33] وقيل أراد يسري فيه فهو على هذا كقولهم: ليلُه قائم، والمراد على هذا ليلة جمع لأنها التي يسري فيها والأول أشهر وأظهر {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} هذا توقيف يراد به تعظيم الأشياء التي أقسم بها. والحجر هنا هو: العقل. كأنه يقول: إن هذا لقسم عظيم عند ذوي العقول. وجواب القسم محذوف وهو «ليأخذنّ الله الكفار» ويدل على ذلك ما ذكره بعده من أخذ عاد وثمود وفرعون.


{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}
{إِرَمَ} هي قبيلة عاد سميت باسم أحد أجدادها، كما يقال: هاشم لبني هاشم، وإعرابه بدل من عاد أو عطف بيان وفائدته أن المراد عادا الأولى، فإن عاداً الثانية لا يسمون بهذا الاسم. وقيل: إرم اسم مدينتهم فهو على حذف مضاف تقديره: بعاد عاد إرم، ويدل على هذا قراءة ابن الزبير بعاد إرم على الإضافة من تنوين عاد وامتنع إرم من الصرف على القولين للتعريف والتأنيث {ذَاتِ العماد} من قال إرم قبيلة قال: العماد أعمدة بنيانهم أو أعمدة بيوتهم من الشعر لأنهم كانوا أهل عموج، وقال ابن عباس: ذلك كناية عن طول أبدانهم. ومن قال إرم مدينة فالعماد الحجارة التي بنيت بها، وقيل القصور والأبراج {التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد} صفة للقبيلة لأنهم كانوا أعظم الناس أجساماً يقال: كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع. أو صفة للمدينة وهذا أظهر لقوله في البلاد ولأنها كانت أحسن مدائن الدنيا، وروي أنها بناها شداد بن عاد في ثلاثمائة عام، وكان عمره تسعمائة عام وجعل قصورها من الذهب والفضة، وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أنواع الشجر والأنهار الجارية، وروي أنه سمع ذكر الجنة فأراد أن يعمل مثلها فلما أتمها وسار إليها بأهل مملكته أهلكهم الله بصيحة، وكانت هذه المدينة باليمن. وروي أن بعض المسلمين مر بها في خلافة معاوية، وقيل: هي دمشق وقيل: الاسكندرية، وهذا ضعيف {جَابُواْ الصخر بالواد} أي نقبوه ونحتوا فيه بيوتاً والوادي ما بين الجبلين، ون لم يكن فيها ماء، وقيل: أراد وادي القرى {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} ذكر في سورة داود (ص): {الذين طَغَوْاْ فِي البلاد} صفة لعاد وثمود وفرعون ويجوز أن يكون منصوباً على الذم أو خبر ابتداء مضمر {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} استعارة السوط للعذاب؛ لأنه يقتضي من التكرار ما لا يقتضيه السيف وغيره. قاله ابن عطية، وقال الزمخشري: ذكر السوط إشارة إلى عذاب الدنيا، إذ هو أهوب من عذاب الآخرة، كما أن السوط أهون من القتل {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} عبارة عن أنه تعالى حاضر بعلمه في كل مكان، وكل زمان ورقيب على كل إنسان، وأنه لا يفوته أحد من الجبابرة والكفار، وفي ذلك تهديد لكفار قريش وغيرهم، والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد.


{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)}
{فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ} الابتلاء هو الاختبار واختبار الله لعبده لتقوم الحجة على العبد بما يبدو منه، وقد كان الله عالماً بذلك قبل كونه، والإنسان هنا جنس، وقيل: نزلت في عتبة بن ربيعة وهي مع ذلك على العموم، فيمن كان على هذه الصفة. وذكر الله في هذه الآية ابتلاءه للإنسان بالخير، ثم ذكر بعد ابتلاءه بالشر كما قال في [الأنبياء: 35] {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير} وأنكر عليه قوله حين الخير: ربي أكرمني وقوله حين الشر: ربي أهانني ويتعلق بالآية سؤلان:
السؤال الأول: لم أنكر الله على الإنسان قوله ربي أكرمني وربي أهانني والجواب من وجهين: أحدهما: أن الإنسان يقول: ربي أكرمني على وجه الفخر بذلك والكبر، لا على وجه الشكر ويقول: ربي أهانني على وجه التشكي من الله وقلة الصبر والتسليم لقضاء الله، فأنكر عليه ما يقتضيه كلامه من ذلك، فإن الواجب عليه أن يشكر على الخير ويصبر على الشر. والآخر: أن الإنسان اعتبر الدنيا فجعل بسط الرزق فيها كرامة، وتضييقه إهانة وليس الأمر كذلك؛ فإن الله قد يبسط الرزق لأعدائه، ويضيقه على أوليائه فأنكر الله عليه اعتبار الدنيا والغفلة عن الآخرة، وهذا الإنكار من هذا الوجه على المؤمن. وأما الكافر فإنما اعتبر الدنيا لأنه لا يصدق بالآخرة، ويرى أن الدنيا هي الغاية فأنكر عليه ما يقتضيه كلامه من ذلك.
السؤال الثاني: إن قيل: قد قال الله {فأكرمه} فأثبت إكرامه، فكيف أنكر عليه قوله ربي أكرمني؟ فالجواب: من ثلاثة أوجه:
الأول أنه لم ينكر عليه ذكره للإكرام، وإنما أنكر عليه ما يدل عليه كلامه من الفخر وقلة الشرك، أو من اعتبار الدنيا دون الآخرة حسبما ذكرنا في معنى الإنكار.
الثاني: أنه أنكر عليه قوله: {ربي أ كرمني} إذ اعتقد إن إكرام الله له باستحقاقه الإكرام، على وجه التفضيل والإنعام كقوله قارون: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي} [القصص: 78].
الثالث: أن الإنكار إنما هو قوله: {ربي أهانني} لا لقوله: {ربي أكرمني} فإن قوله ربي أكرمني اعتراف بنعمة الله، وقوله ربي أهانني شكاية من فعل الله {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي ضيقه وقرئ بتشديد الدال وتخفيفها بمعنى واحد وفي التشديد مبالغة وقيل: معنى التشديد جعله على قدر معلوم.

1 | 2